![رضا رجب Profile](https://pbs.twimg.com/profile_images/1855692060021379072/YsBD3xNV_x96.jpg)
رضا رجب
@redharajab
Followers
1K
Following
1K
Statuses
893
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ
Bahrain
Joined September 2010
سوريا طموحات مشروعة وخطأ مرير " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" إلى كل من يسعى لتغيير واقعه واستعادة حقوقه المشروعة التي سُلبت منه بفعل أنظمة يراها استبدادية، إلى كل نفس تئنُّ تحت وطأة الظلم، وتتشوق إلى الحرية والكرامة، إلى كل قلب يحلم ببزوغ فجر جديد من التغيير يضمن له الكرامة والمشاركة الفاعلة في بناء وطنه، لكل من اختبروا حراكات الثورة وعاشوا تحولاتها ومآلاتها المؤلمة فيما سمي بالربيع العربي. إن تاريخنا العربي حافل بقصص النضال والتضحية، ولكنها قصص تحمل في طياتها دروساً قاسية. هناك درسان مريران يلتقيان في خطأ جوهري واحد: الاعتماد على القوى الأجنبية لتحقيق إصلاح داخلي. التجربة الأولى هي تجربة الشريف حسين، الذي قاد الثورة العربية الكبرى وأعلنها في 10 يونيو 1916م، طامحا في استقلال العرب، لكنه وقع ضحية خديعة القوى الاستعمارية التي استغلت طموحاته لخدمة مصالحها. التجربة الثانية، هي العراق في عام 2003، عندما استعانت المعارضة بقوى خارجية لإسقاط نظام صدام حسين. تلك الخطوة لم تحقق الإصلاح المنشود، بل أسفرت عن انهيار مؤسسات الدولة، وإذكاء الصراعات الطائفية، وتحويل البلاد إلى ساحة نزاعات إقليمية ودولية. وبينما تبقى التجربة العراقية حديثة العهد، وفصولها لا تزال تُكتب، فإن الكثير من تفاصيلها محجوب بطبقات من السرية، مما يجعل الخوض في أعماقها أمرا معقدا في الوقت الحالي. على النقيض، تجربة الشريف حسين التي تجاوزت قرنا من الزمن، أُتيحت تفاصيلها كاملة للباحثين، مما يتيح تأملها بوضوح كدرس تاريخي بالغ الأهمية. إنها قصة تمزج بين الطموح والخطأ، بين النوايا الصادقة والسقوط في الفخاخ، وتُبرز أن الخيارات الكبرى لا تُبنى بالأهداف النبيلة وحدها، بل تحتاج إلى الحكمة في قراءة الواقع، والتوازن الدقيق بين المطالبة بالحق والإصلاح، وبين الهدم والبناء. هي عبرة لكل من يسعى للتغيير، بأن الطريق إلى مستقبل أفضل يبدأ من الداخل، ومن وحدة الصف، بعيدا عن أي رهانات تُلقي بالأوطان في دوامة الهيمنة والاستغلال. نبذة عن شريف مكة وحامي الحرمين الشريفين كان الشريف حسين بن علي، شريف مكة وحامي الحرمين الشريفين، شخصية دينية وسياسية بارزة في العالم الإسلامي. انتماؤه إلى آل البيت وارتباط نسبه بالنبي محمد (ص) منحاه مكانة مرموقة وهالة من الإجلال في وجدان الأمة الإسلامية. عُرف بإيمانه العميق وتقواه، وحرصه على أداء واجباته الدينية، مما جعله رمزا دينيا واجتماعيا رفيعا يحمل هموم الأمة وآمالها. عارض الشريف حسين بشدة وعد بلفور الذي أصدرته بريطانيا عام 1917، معتبرا إياه خيانة للوعود التي قُطعت للعرب بالاستقلال. رأى فيه إجحافا بالحقوق العربية والإسلامية في فلسطين، وأكد أن فلسطين ليست مجرد أرض، بل قضية أمة ومقدسات لا تقبل المساومة. ظل موقفه هذا شاهدا على وعيه بمكانة فلسطين في ضمير العرب والمسلم��ن. أضرت سياسات التتريك التي اتبعتها جمعية الاتحاد والترقي بالعرب، إذ سعت إلى طمس هويتهم الثقافية وتهميش دورهم الحضاري. رأى الشريف حسين أن العرب أصبحوا مستبعدين من المناصب القيادية ومجردين من كرامتهم تحت حكم استبدادي. بالنسبة له، لم تعد الدولة العثمانية تمثل الإسلام الحق، بل أداة لقمع العرب واستعبادهم. في خضم الحرب العالمية الأولى، حين كانت الدولة العثمانية تخوض صراعا وجوديا ضد القوى الاستعمارية الكبرى، استغل الشريف حسين هذه اللحظة المفصلية ليعلن الثورة. دخل في مباحثات سرية مع بريطانيا، العدو الأول للدولة العثمانية. من خلال مراسلاته مع السير هنري مكماهون، أغرته بريطانيا بوعود استقلال العرب وتأسيس مملكة عربية كبرى تضم الحجاز وبلاد الشام والعراق. وعدت بريطانيا الشريف حسين بالدعم العسكري والمالي، وسرعان ما تحركت قواته تحت راية الثورة العربية الكبرى في عام 1916. لكن طموحات الشريف حسين تلاقت مع أهداف بريطانيا الاستعمارية في تقويض الدولة العثمانية. مع كشف وثائق اتفاقية سايكس-بيكو بعد الثورة البلشفية عام 1917، أدرك الشريف حسين أنه كان أداة لتحقيق مصالح القوى الكبرى، وليس حليفا لتحقيق حلم الاستقلال العربي. الثورة التي أطلقها لتحرير العرب تحولت إلى معول هدم أدى إلى تفتيت الدولة العثمانية وتقسيم العالم العربي. لا شك أن فساد الدولة العثمانية في تلك الفترة كان واضحا، وأنها أخطأت في إدارة شؤون العرب. لكن ما كان ينبغي للشريف حسين أن يتحول إلى أداة بيد القوى الاستعمارية. ربما كان الأجدر به أن يسعى للإصلاح من داخل الدولة العثمانية بدلا من أن يكون جزءا من مشروع أدى في النهاية إلى تفتيت الأمة. الثورة العربية الكبرى لم تُضعف الدولة العثمانية فحسب، بل أسهمت في إفساح المجال أمام قوى الاستعمار لتفرض سيطرتها على العالم العربي. وفاة الشريف حسين في المنفى كانت نهاية مؤلمة لحياة قادها بالأحلام والآمال. لكن إرث خطئه لم ينتهِ بموته؛ فالعالم العربي لا يزال يعاني إلى اليوم من تداعيات تلك الفترة. اتفاقية سايكس-بيكو قسمت المنطقة إلى دويلات صغيرة، وغُرست بذور الصراعات التي لم تنتهِ حتى الآن. كان الخطأ المرير الذي ارتكبه الشريف حسين درسًا قاسيا للأمة العربية، أن التعاون مع قوى الاستعمار لتحقيق أهداف مرحلية قد يكلف الشعوب أثمانا باهظة تدفعها لأجيال. يمكن اعتبار خطأ الشريف حسين ووقوعه في فخ الخديعة البريطانية أحد أبرز العوامل التي مهدت لنجاح مخطط سايكس بيكو؛ إذ وثق بوعود الاستقلال العربي مقابل الثورة على العثمانيين، غافلاً عن الاتفاقية السرية التي قسمت المشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا. الثورة، التي أضعفت قبضة الدولة العثمانية، أفسحت المجال للقوى الاستعمارية لتنفيذ مخططها، حيث استغلت بريطانيا تضحيات العرب لتحقيق مصالحها، دون أي نية حقيقية لتمكينهم من الاستقلال، لتكرّس الهيمنة الأجنبية على المنطقة. قصة الشريف حسين ليست مجرد حكاية عن رجل حمل طموحات كبيرة وانتهى إلى المنفى. بل درسٌ مرير للأمة عن خطورة وضع الثقة في قوى لا تهتم إلا بمصالحها. لقد كانت لحظة فارقة في تاريخ العرب، حين اختلطت الطموحات بالأخطاء، وانتهت بواقع منقسِم لا يزال يرزح تحت وطأة التبعات. ربما كان الإصلاح أصعب طريق، لكنه كان الخيار الذي يستحق المحاولة، بدلا من التحول إلى أداة لهدم كيان الأمة. الوحدة قبل محاربة الكفر الوحدة هي الأساس المتين الذي تبنى عليه قوة الأمم، وقد أكد الإسلام عبر القرآن والسيرة النبوية أن الحفاظ على وحدة الصف مقدم على محاربة الكفر ومعالجة الأخطاء. يظهر ذلك في موقف نبي الله هارون (ع) الذي لم يقاتل بني إسرائيل عند عبادتهم العجل، حرصًا على وحدة القوم، وقال: [إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ] [طه: 94]. وكذلك فعل النبي محمد (ص) حين امتنع عن قتال المنافقين الذين روجوا حديث الإفك، خشية الفتنة وضياع وحدة الأمة. كان خطأ الشريف حسين بن علي في سعيه لتفكيك الدولة العثمانية بالتعاون مع بريطانيا نموذجا لتقديم الخصومة الداخلية على وحدة الأمة. تحت وطأة سياسات التتريك والاضطهاد، اختار الشريف حسين الثورة بدلا من الإصلاح الداخلي، وانتهى في المنفى، تاركا إرثا مريرا ما زالت الأمة تدفع ثمنه. لقد أثبت التاريخ أن تفكيك وحدة المسلمين هو الهدف الأول لأعدائهم، لأن أمة موحدة تستطيع معالجة فسادها الداخلي وإصلاح أخطائها. أما أمة ممزقة، فإنها تفقد قدرتها على الدفاع عن وجودها، وتصبح عرضة للاحتلال والاستغلال. إن الحفاظ على الوحدة، مهما كان الثمن، أولى من الانزلاق إلى صراعات داخلية تؤدي إلى التشرذم وضياع الأمة. قصة الشريف حسين درس قاسٍ في أهمية تغليب الإصلاح على التفكك. هل كل مدعوم خائن؟ قراءة في سياق الدعم الاستعماري وأبعاده الحكم على المدعوم من القوى الاستعمارية بالخيانة يستوجب تفهم السياق الكامل؛ فقد يكون مخلصًا لقضيته، لكنه أخطأ في تقدير التوقيت أو اختيار الحلفاء والاستراتيجيات. الخيانة تقتضي وجود وعي وإرادة متعمدة للإضرار بمصالح الأمة لصالح جهة خارجية، وهو ما لا ينطبق دائما على كل مدعوم. من هنا، تعمل القوى الاستعمارية على إخفاء هويتها الحقيقية قدر الإمكان، حتى لا يشعر المدعوم بالذنب أو بالخيانة. فالمهم بالنسبة لها هو إنجاز العمل المطلوب وتحقيق أهدافها، بغض النظر عن هوية المنفذ أو ولائه الحقيقي. الدعم الخفي الذي يتلقاه طرف ما دون علمه بمصدره يُعد من أكثر أساليب القوى الكبرى دقة وخطورة. يعتمد هذا الأسلوب على توجيه الدعم عبر قنوات غير مباشرة، لضمان استمرارية الطرف المدعوم دون إدراكه أنه يُستخدم كأداة لخدمة أجندات خارجية. يتم إيصال هذا الدعم من خلال وسطاء أو مؤسسات تُظهر واجهات إنسانية أو اقتصادية، أو عبر تسريب معلومات استخباراتية وأسلحة بطرق معقدة يصعب تتبعها، مما يُبقي الأهداف الحقيقية خلف ستار من الغموض. بالإضافة إلى ذلك، يشمل هذا النوع من الدعم تمويل الإعلام وإطلاق حملات ترويج ثقافية تهدف إلى تغيير المزاج العام وتوجيهه، دون أن يتمكن الطرف المستفيد من الربط بين الدعم المقدم والقوى الداعمة التي تقف خلفه. خلال الحرب السوفيتية في أفغانستان، قدمت الولايات المتحدة دعمًا ماليًا وعسكريًا للمجاهدين الأفغان عبر باكستان ودول أخرى. ورغم استفادة المقاتلين الأفغان من هذا الدعم، إلا أنهم لم يدركوا في البداية أن الهدف الحقيقي وراء التمويل كان إنهاك الاتحاد السوفيتي في إطار الحرب الباردة، وليس دعما خالصا لقضيتهم الدينية أو الوطنية. وبالمثل، خلال الحرب الباردة، دعمت الولايات المتحدة حركات المقاومة ضد الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، مثل المعارضة في بولندا. هذا الدعم جاء عبر منظمات حقوقية ودينية، بما في ذلك الكنيسة الكاثوليكية، بينما لم تكن المعارضة تدرك أن واشنطن هي المصدر الحقيقي لهذا الدعم. بهذه الطريقة، استطاعت القوى الغربية تحقيق أهدافها الاستراتيجية دون أن تُشعر الأطراف المدعومة بأنها تُستخدم كأدوات لتنفيذ أجنداتها. إبقاء الطرف المدعوم غافلا يضمن تحركاته بحسن نية، دون أن يدرك أنه جزء من أجندة أكبر تخدم مصالح خفية. هذا النهج يجعل الدعم الخفي واحدا من أكثر الأدوات الاستراتيجية تأثيرا وخطورة في السياسات الدولية، حيث يتم تحقيق الأهداف المرجوة تحت غطاء محكم من السرية والتمويه. كمؤشر صارخ على وجود دعم خفي، يجب إدراك حقيقة أن القوى الكبرى لا تلتزم الصمت تجاه صراعات في مناطق متوترة أو ساحات معارك ذات أهمية استراتيجية وجيوسياسية. من غير المنطقي أن تترك القوى الاستعمارية الساحة لغيرها أو تسمح لحركة نضالية، قد تتوقع منها عداءً مستقبليا، أن تنمو وتزدهر دون تدخل. بل إنها تعمل غالبا على إدارة هذه الحركات وتوجيهها بشكل غير مباشر لتحقيق مصالحها الخاصة. وإذا بدت الأمور كأنها تُترك دون تدخل، فقد يكون ذلك في إطار "تسمين الذبيحة"، حيث يتم إعداد الطرف المستهدف ليخدم غايات أكبر قبل التخلص منه في الوقت المناسب. وللتاريخ أمثلة عديدة على هذا النهج، لكنها ليست موضع التطرق هنا. الحسابات الخاطئة إن الخطأ في قراءة الواقع الدولي واتخاذ القرارات بناءً على حسابات خاطئة قد يكون له عواقب وخيمة، تؤدي إلى خسائر عظيمة على مستوى الأفراد والمجتمعات. ويعد تاريخ الشريف حسين مثالا بارزا لهذه الإشكالية، حيث تسببت ثقته بوعود القوى الاستعمارية وتجاهله للواقع السياسي في تمزيق الأمة ودخولها في نفق الهيمنة الاستعمارية. وثق الشريف حسين بوعود بريطانيا الزائفة بدعم استقلال العرب، لكنه تجاهل النوايا الاستعمارية التي سرعان ما تجلت في اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور. هذا الخطأ الفادح كان بسبب ضعف في قراءة الواقع الجيوسياسي ومخاطر التخلي عن الوحدة الإسلامية تحت مظلة الخلافة العثمانية. وبدلا من السعي للإصلاح من الداخل، اختار التمرد في توقيت كارثي خلال الحرب العالمية الأولى، مما جعل ثورته أداة لتفكيك الأمة لصالح قوى استعمارية طامعة. إن الحسابات الخاطئة مشكلة إنسانية متكررة. وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى منها في كتابه الكريم، فقال: "فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" الأعراف: 103.وفي هذا السياق، يبرز القرآن أهمية النظر في عواقب الأمور والتحذير من الانجرار وراء وعود زائفة أو قرارات غير مدروسة. ومن أعظم الآيات التي توضح أساس التغيير الذي يمنع تكرار الحسابات الخاطئة، قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" الرعد: 11. هذه الآية تربط بشكل مباشر بين تغيير الظروف وتصحيح القرارات. الحسابات الخاطئة ليست نتيجة عوامل خارجية فقط، بل غالبًا ما تعكس خللا داخليا في التفكير أو النوايا. التغيير الحقيقي يبدأ بإعادة تقييم الإنسان لنواياه وأهدافه، والإقرار بالأخطاء والعمل على إصلاحها. الله سبحانه يبين لنا أن إصلاح الواقع يتطلب تغييرات داخلية في القيم، والمبادئ، والقرارات. من السيرة، نجد مثالًا واضحا في غزوة أحد، حيث أدى الخطأ في تقدير الوضع العسكري إلى انقلاب مسار المعركة. يقول النبي (ص): "لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين"، في إشارة إلى ضرورة التعلم من الأخطاء لتجنب تكرارها. في واقعنا المعاصر، تتكرر الأخطاء بسبب سوء التقدير أو الطمع أو التسرع. الحل يكمن في الالتزام بمنهج الله الذي يأمر بالتفكر قبل اتخاذ أي خطوة، كما قال تعالى: "قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" آل عمران: 137. الخاتمة تجربة الشريف حسين تقدم درسًا خالدا عن خطورة الاعتماد على قوى استعمارية لتحقيق أهداف مرحلية، سواء كان المدعوم مدركا لهذا الدعم أو غافلا عنه، وسواء كانت نواياه حسنة أو سيئة. فالتاريخ يؤكد أن مثل هذه السياقات غالبا ما تكون وسيلة لتحقيق مصالح القوى الكبرى، بينما يتحمل المدعوم وشعبه تبعاتها الباهظة. أحداث العراق عقب الغزو الأمريكي عام 2003 تقدم مثالا واضحا على ذلك. عندما استعانت المعارضة العراقية بقوى خارجية، ظنا منها أن تدخل الولايات المتحدة سيضمن سقوط النظام وبناء نظام ديمقراطي جديد، غفلت هذه المعارضة، سواء بحسن نية أو سوء تقدير، عن الأطماع الأمريكية والإستراتيجية التي كانت تهدف إلى السيطرة على مقدرات العراق وتمزيق وحدته. الغزو، الذي تم تبريره بشعارات مثل الحرية وإزالة الاستبداد، انتهى بإغراق العراق في دوامة من الفوضى، حيث دُمرت مؤسسات الدولة، وتصاعدت النزاعات الطائفية والعرقية، وظهرت قوى متطرفة استغلت الفراغ الأمني. هذا الواقع لم يكن فقط نتيجة أخطاء القوى الاستعمارية، بل أيضا نتيجة فشل الأطراف المحلية في تفضيل الإصلاح الداخلي والحفاظ على وحدة الصف. فقد كان بالإمكان معالجة الأزمات العراقية داخليا بحوار سياسي وتنازلات متبادلة، بدلا من استدعاء قوة خارجية جعلت العراق ساحة للصراعات الإقليمية والدولية. ولأن الجراح في عالمنا العربي ما زالت حية، أكتب هذه الكلمات بحزن عميق لما نشاهده في سوريا الحبيبة. شعبٌ مخلص في حبه لوطنه وأمته، لكنه يعاني من تداعيات صراعات معقدة، حيث اختلطت الطموحات بالآلام، والنوايا الحسنة بالأخطاء التي دفعت بأطراف متعددة إلى استغلال هذا الواقع المرير.أنتم يا أهل سوريا، في قلوبنا دائمًا، وأملي أن تكون وحدتكم وإخلاصكم ركيزة للخروج من هذه المحنة، بعيدا عن أي تبعية خارجية قد تُثقل كاهل أمتكم بمزيد من المعاناة. قصة الشريف حسين ودرس العراق، وغيرهما من الأمثلة التاريخية، تؤكد أن الإصلاح الداخلي ووحدة الصف هما الخيار الأجدى لمواجهة التحديات. فاللجوء إلى القوى الخارجية، بغض النظر عن النوايا، يؤدي دائما إلى تعميق الانقسام وإضعاف الأمة. المستقبل القوي والمتماسك لا يُبنى إلا على أساس من الوحدة والاستقلال، مع الالتزام بمنهج الإصلاح الذاتي الذي يحافظ على سيادة الأمة. هذه الدروس القاسية يجب أن تكون نبراسا للأجيال القادمة لتجنب تكرار الأخطاء التي أرهقت الأمة على مر العصور. #سوريا #نكبة_أمة #الإصلاح_الداخلي #سايكس_بيكو #وعد_بلفور #حماة #أدلب #البحرين
141
275
2K
شكرا لتعليقك الذي يضيف بُعدا واقعيا للنقاش. صحيح أن هناك دولا عديدة تسعى لتحقيق مصالحها، وهذا أمر طبيعي ومفهوم. ليس كل من يسعى إلى مصالحه يُعد شريرا، فنحن أيضا لدينا مصالح ونسعى لتحقيقها عند التفاوض أو التعامل مع الأطراف الخارجية، وهذا جزء من التفاعل الطبيعي بين الأمم. لكن المشكلة تظهر عندما يتحول هذا السعي إلى تآمر واستغلال لنقاط ضعفك الداخلية، واعتداء على حقوقك. المنعطف الذي ينتقل فيه الطرف الآخر إلى خانة الأشرار يحدث عندما يبدأ في استغلال موروثك المقدس لدق أسافين الفتنة الداخلية، سواء بتحريك الاختلافات المذهبية أو الطائفية أو تأجيج الصراعات العرقية، بهدف تمزيق نسيج مجتمعك واستنزاف قواه. كذلك، عندما يستغل ضعف الوعي داخل مجتمعك لممارسة الخديعة والمناورات التي تبدو ظاهريا غير ضارة، لكنها تحمل أثمانا باهظة على الاستقرار والسيادة الوطنية. عند هذه النقطة، ينتقل هذا الطرف من كونه شريكا أو طرفا محايدا يبحث عن مصالحه، إلى طرف شرير يسعى إلى تقويض استقرارك ونهب خيراتك لتحقيق مصالحه الخاصة. أما الدول التي تسعى لتحقيق مصالحها دون اللجوء إلى التآمر أو الإضرار بك، فيمكن التعامل معها بشكل طبيعي ضمن إطار التدافع البنّاء بين الأمم، حيث تتفاعل المصالح بشكل يُسهم في تحقيق التوازن والنهضة المشتركة. وشكرا لك مرة أخرى
0
0
0
أوافقك تماما أن العودة الصادقة إلى كتاب الله والعمل به هو الأساس الذي لا غنى عنه. لكن يبقى السؤال المحوري الذي يجب أن نواجهه بوعي هو: إلى أي فهم نعود؟ ومن أي تفسير نأخذ؟ وعلى أي منهج نستند؟ المعضلة الكبرى أننا اليوم أمام مشهد معقد من التفاسير المتعددة والمتباينة، التي تختلف جذريا في رؤيتها للنصوص القرآنية. لهذا، دعوتنا ليست مجرد رجوع آلي إلى النصوص، بل إلى عملية واعية ومنهجية لتنقيح الموروث الديني. نحن بحاجة ماسة إلى علماء حكماء، يمتلكون الشجاعة العلمية والوعي النقدي، ليقوموا بإعادة النظر في هذه التفسيرات وتنقيتها من التحريفات والانحيازات، ليعيدوا القرآن إلى مكانته كمرجع جامع يتجاوز حدود الطوائف والمذاهب. القرآن الكريم هو سجل الوعي الإنساني، لكنه اليوم محاصر بين أيدي التأويلات المذهبية والتاريخية التي حولته أحيانا إلى ساحة للصراعات الفكرية والطائفية. تحرير النصوص من هذه القيود ضرورة لإبراز مقاصده الكبرى.
0
0
1
شكرا لتعقيبك. بلا شك إن العمالة للخارج وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية هما خنجران مسمومان أصابا الأمة في مقتل، إن مواجهة هذا العامل تتطلب إعادة بناء حصن الوعي الوطني الجامع، ورفض أي ولاءات تتعارض مع مصلحة الأمة، بناء الوعي الجامع يؤسس لبناء القيم التي تجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. كما أن تعزيز العدالة والشفافية في الداخل سيقطع الطريق على من يسعى للاستقواء بالخارج لتحقيق مصالحه.
0
0
3
شكرا لاتفاقك بشأن النقطة الأولى والثالثة. أما بالنسبة للنقطة الثانية، فأقصد بها الحاجة إلى مراجعة الموروث الديني بعقلية نقدية ومنهجية علمية. الموروث الديني ليس كله معيبا بالطبع، بل هو إرث يحمل في طياته كنوزا من الحكمة، لكنه أيضا يحتوي على تفسيرات وتأويلات بشرية تأثرت بسياقات تاريخية وسياسية محددة، ما أدى أحيانا إلى تقديم الدين بصورة لا تتفق مع مقاصده الكبرى. ما أدعو إليه ليس نبذ الموروث، بل تنقيته من التشويش الذي أضافه التحريف أو الاجتهادات غير الدقيقة، حتى نستخلص جوهره الصافي الذي يقودنا لفهم أعمق وأقرب للقرآن والسنة. باختصار، النقطة الثانية ليست دعوة للتشكيك في الموروث ككل، وإنما دعوة للتمييز بين ما هو وحي إلهي خالص وما هو اجتهاد بشري قابل للنقد والتصحيح، بهدف تحقيق انسجام حقيقي بين تعاليم الدين وحاجات الواقع.
1
0
2
للأسف، الموروث، بدل أن يكون مصدرا للإلهام والتوجيه، تحول أحيانا إلى عبء بسبب التشويه الذي طال بعض أجزائه من تحريف وتأويل مغلوط. هذا الخلل فتح الأبواب لتراجع الوعي وجعلنا أكثر عرضة للاختراق الفكري والاستعماري. أضف الى ذلك، فأن الوعي الغائب مسؤو�� أيضا، لأنه هو الحصن الذي يحمي من استغلال هذا الخلل. الموروث المُشوّه والوعي الغائب كلاهما يغذي الآخر، مما يجعل الاستعمار ينجح في التسلل بيننا مستخدما أدواتنا ضدنا، كالانقسامات المذهبية والطائفية. شكرا لك أخي الكريم
0
1
3
RT @PoseyAmer73: ايه المقال الرائع ده والله من اجمل ما قرأت والأسهل تفسيراً للأحداث واعجبني جدا هذا الجزء (الوحدة ��ي الأساس المتين الذي…
0
1
0
وثق الشريف حسين بوعود بريطانيا الزائفة بدعم استقلال العرب، لكنه تجاهل النوايا الاستعمارية التي سرعان ما تجلت في اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور. هذا الخطأ الفادح كان بسبب ضعف في قراءة الواقع الجيوسياسي ومخاطر التخلي عن الوحدة الإسلامية تحت مظلة الخلافة العثمانية. وبدلا من السعي للإصلاح من الداخل، اختار التمرد في توقيت كارثي خلال الحرب العالمية الأولى، مما جعل ثورته أداة لتفكيك الأمة لصالح قوى استعمارية طامعة.
سوريا طموحات مشروعة وخطأ مرير " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" إلى كل من يسعى لتغيير واقعه واستعادة حقوقه المشروعة التي سُلبت منه بفعل أنظمة يراها استبدادية، إلى كل نفس تئنُّ تحت وطأة الظلم، وتتشوق إلى الحرية والكرامة، إلى كل قلب يحلم ببزوغ فجر جديد من التغيير يضمن له الكرامة والمشاركة الفاعلة في بناء وطنه، لكل م�� اختبروا حراكات الثورة وعاشوا تحولاتها ومآلاتها المؤلمة فيما سمي بالربيع العربي. إن تاريخنا العربي حافل بقصص النضال والتضحية، ولكنها قصص تحمل في طياتها دروساً قاسية. هناك درسان مريران يلتقيان في خطأ جوهري واحد: الاعتماد على القوى الأجنبية لتحقيق إصلاح داخلي. التجربة الأولى هي تجربة الشريف حسين، الذي قاد الثورة العربية الكبرى وأعلنها في 10 يونيو 1916م، طامحا في استقلال العرب، لكنه وقع ضحية خديعة القوى الاستعمارية التي استغلت طموحاته لخدمة مصالحها. التجربة الثانية، هي العراق في عام 2003، عندما استعانت المعارضة بقوى خارجية لإسقاط نظام صدام حسين. تلك الخطوة لم تحقق الإصلاح المنشود، بل أسفرت عن انهيار مؤسسات الدولة، وإذكاء الصراعات الطائفية، وتحويل البلاد إلى ساحة نزاعات إقليمية ودولية. وبينما تبقى التجربة العراقية حديثة العهد، وفصولها لا تزال تُكتب، فإن الكثير من تفاصيلها محجوب بطبقات من السرية، مما يجعل الخوض في أعماقها أمرا معقدا في الوقت الحالي. على النقيض، تجربة الشريف حسين التي تجاوزت قرنا من الزمن، أُتيحت تفاصيلها كاملة للباحثين، مما يتيح تأملها بوضوح كدرس تاريخي بالغ الأهمية. إنها قصة تمزج بين الطموح والخطأ، بين النوايا الصادقة والسقوط في الفخاخ، وتُبرز أن الخيارات الكبرى لا تُبنى بالأهداف النبيلة وحدها، بل تحتاج إلى الحكمة في قراءة الواقع، والتوازن الدقيق بين المطالبة بالحق والإصلاح، وبين الهدم والبناء. هي عبرة لكل من يسعى للتغيير، بأن الطريق إلى مستقبل أفضل يبدأ من الداخل، ومن وحدة الصف، بعيدا عن أي رهانات تُلقي بالأوطان في دوامة الهيمنة والاستغلال. نبذة عن شريف مكة وحامي الحرمين الشريفين كان الشريف حسين بن علي، شريف مكة وحامي الحرمين الشريفين، شخصية دينية وسياسية بارزة في العالم الإسلامي. انتماؤه إلى آل البيت وارتباط نسبه بالنبي محمد (ص) منحاه مكانة مرموقة وهالة من الإجلال في وجدان الأمة الإسلامية. عُرف بإيمانه العميق وتقواه، وحرصه على أداء واجباته الدينية، مما جعله رمزا دينيا واجتماعيا رفيعا يحمل هموم الأمة وآمالها. عارض الشريف حسين بشدة وعد بلفور الذي أصدرته بريطانيا عام 1917، معتبرا إياه خيانة للوعود التي قُطعت للعرب بالاستقلال. رأى فيه إجحافا بالحقوق العربية والإسلامية في فلسطين، وأكد أن فلسطين ليست مجرد أرض، بل قضية أمة ومقدسات لا تقبل المساومة. ظل موقفه هذا شاهدا على وعيه بمكانة فلسطين في ضمير العرب والمسلمين. أضرت سياسات التتريك التي اتبعتها جمعية الاتحاد والترقي بالعرب، إذ سعت إلى طمس هويتهم الثقافية وتهميش دورهم الحضاري. رأى الشريف حسين أن العرب أصبحوا مستبعدين من المناصب القيادية ومجردين من كرامتهم تحت حكم استبدادي. بالنسبة له، لم تعد الدولة العثمانية تمثل الإسلام الحق، بل أداة لقمع العرب واستعبادهم. في خضم الحرب العالمية الأولى، حين كانت الدولة العثمانية تخوض صراعا وجوديا ضد القوى الاستعمارية الكبرى، استغل الشريف حسين هذه اللحظة المفصلية ليعلن الثورة. دخل في مباحثات سرية مع بريطانيا، العدو الأول للدولة العثمانية. من خلال مراسلاته مع السير هنري مكماهون، أغرته بريطانيا بوعود استقلال العرب وتأسيس مملكة عربية كبرى تضم الحجاز وبلاد الشام والعراق. وعدت بريطانيا الشريف حسين بالدعم العسكري والمالي، وسرعان ما تحركت قواته تحت راية الثورة العربية الكبرى في عام 1916. لكن طموحات الشريف حسين تلاقت مع أهداف بريطانيا الاستعمارية في تقويض الدولة العثمانية. مع كشف وثائق اتفاقية سايكس-بيكو بعد الثورة البلشفية عام 1917، أدرك الشريف حسين أنه كان أداة لتحقيق مصالح القوى الكبرى، وليس حليفا لتحقيق حلم الاستقلال العربي. الثورة التي أطلقها لتحرير العرب تحولت إلى معول هدم أدى إلى تفتيت الدولة العثمانية وتقسيم العالم العربي. لا شك أن فساد الدولة العثمانية في تلك الفترة كان واضحا، وأنها أخطأت في إدارة شؤون العرب. لكن ما كان ينبغي للشريف حسين أن يتحول إلى أداة بيد القوى الاستعمارية. ربما كان الأجدر به أن يسعى للإصلاح من داخل الدولة العثمانية بدلا من أن يكون جزءا من مشروع أدى في النهاية إلى تفتيت الأمة. الثورة العربية الكبرى لم تُضعف الدولة العثمانية فحسب، بل أسهمت في إفساح المجال أمام قوى الاستعمار لتفرض سيطرتها على العالم العربي. وفاة الشريف حسين في المنفى كانت نهاية مؤلمة لحياة قادها بالأحلام والآمال. لكن إرث خطئه لم ينتهِ بموته؛ فالعالم العربي لا يزال يعاني إلى اليوم من تداعيات تلك الفترة. اتفاقية سايكس-بيكو قسمت المنطقة إلى دويلات صغيرة، وغُرست بذور الصراعات التي لم تنتهِ حتى الآن. كان الخطأ المرير الذي ارتكبه الشريف حسين درسًا قاسيا للأمة العربية، أن التعاون مع قوى الاستعمار لتحقيق أهداف مرحلية قد يكلف الشعوب أثمانا باهظة تدفعها لأجيال. يمكن اعتبار خطأ الشريف حسين ووقوعه في فخ الخديعة البريطانية أحد أبرز العوامل التي مهدت لنجاح مخطط سايكس بيكو؛ إذ وثق بوعود الاستقلال العربي مقابل الثورة على العثمانيين، غافلاً عن الاتفاقية السرية التي قسمت المشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا. الثورة، التي أضعفت قبضة الدولة العثمانية، أفسحت المجال للقوى الاستعمارية لتنفيذ مخططها، حيث استغلت بريطانيا تضحيات العرب لتحقيق مصالحها، دون أي نية حقيقية لتمكينهم من الاستقلال، لتكرّس الهيمنة الأجنبية على المنطقة. قصة الشريف حسين ليست مجرد حكاية عن رجل حمل طموحات كبيرة وانتهى إلى المنفى. بل درسٌ مرير للأمة عن خطورة وضع الثقة في قوى لا تهتم إلا بمصالحها. لقد كانت لحظة فارقة في تاريخ العرب، حين اختلطت الطموحات بالأخطاء، وانتهت بواقع منقسِم لا يزال يرزح تحت وطأة التبعات. ربما كان الإصلاح أصعب طريق، لكنه كان الخيار الذي يستحق المحاولة، بدلا من التحول إلى أداة لهدم كيان الأمة. الوحدة قبل محاربة الكفر الوحدة هي الأساس المتين الذي تبنى عليه قوة الأمم، وقد أكد الإسلام عبر القرآن والسيرة النبوية أن الحفاظ على وحدة الصف مقدم على محاربة الكفر ومعالجة الأخطاء. يظهر ذلك في موقف نبي الله هارون (ع) الذي لم يقاتل بني إسرائيل عند عبادتهم العجل، حرصًا على وحدة القوم، وقال: [إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ] [طه: 94]. وكذلك فعل النبي محمد (ص) حين امتنع عن قتال المنافقين الذين روجوا حديث الإفك، خشية الفتنة وضياع وحدة الأمة. كان خطأ الشريف حسين بن علي في سعيه لتفكيك الدولة العثمانية بالتعاون مع بريطانيا نموذجا لتقديم الخصومة الداخلية على وحدة الأمة. تحت وطأة سياسات التتريك والاضطهاد، اختار الشريف حسين الثورة بدلا من الإصلاح الداخلي، وانتهى في المنفى، تاركا إرثا مريرا ما زالت الأمة تدفع ثمنه. لقد أثبت التاريخ أن تفكيك وحدة المسلمين هو الهدف الأول لأعدائهم، لأن أمة موحدة تستطيع معالجة فسادها الداخلي وإصلاح أخطائها. أما أمة ممزقة، فإنها تفقد قدرتها على الدفاع عن وجودها، وتصبح عرضة للاحتلال والاستغلال. إن الحفاظ على الوحدة، مهما كان الثمن، أولى من الانزلاق إلى صراعات داخلية تؤدي إلى التشرذم وضياع الأمة. قصة الشريف حسين درس قاسٍ في أهمية تغليب الإصلاح على التفكك. هل كل مدعوم خائن؟ قراءة في سياق الدعم الاستعماري وأبعاده الحكم على المدعوم من القوى الاستعمارية بالخيانة يستوجب تفهم السياق الكامل؛ فقد يكون مخلصًا لقضيته، لكنه أخطأ في تقدير التوقيت أو اختيار الحلفاء والاستراتيجيات. الخيانة تقتضي وجود وعي وإرادة متعمدة للإضرار بمصالح الأمة لصالح جهة خارجية، وهو ما لا ينطبق دائما على كل مدعوم. من هنا، تعمل القوى الاستعمارية على إخفاء هويتها الحقيقية قدر الإمكان، حتى لا يشعر المدعوم بالذنب أو بالخيانة. فالمهم بالنسبة لها هو إنجاز العمل المطلوب وتحقيق أهدافها، بغض النظر عن هوية المنفذ أو ولائه الحقيقي. الدعم الخفي الذي يتلقاه طرف ما دون علمه بمصدره يُعد من أكثر أساليب القوى الكبرى دقة وخطورة. يعتمد هذا الأسلوب على توجيه الدعم عبر قنوات غير مباشرة، لضمان استمرارية الطرف المدعوم دون إدراكه أنه يُستخدم كأداة لخدمة أجندات خارجية. يتم إيصال هذا الدعم من خلال وسطاء أو مؤسسات تُظهر واجهات إنسانية أو اقتصادية، أو عبر تسريب معلومات استخباراتية وأسلحة بطرق معقدة يصعب تتبعها، مما يُبقي الأهداف الحقيقية خلف ستار من الغموض. بالإضافة إلى ذلك، يشمل هذا النوع من الدعم تمويل الإعلام وإطلاق حملات ترويج ثقافية تهدف إلى تغيير المزاج العام وتوجيهه، دون أن يتمكن الطرف المستفيد من الربط بين الدعم المقدم والقوى الداعمة التي تقف خلفه. خلال الحرب السوفيتية في أفغانستان، قدمت الولايات المتحدة دعمًا ماليًا وعسكريًا للمجاهدين الأفغان عبر باكستان ودول أخرى. ورغم استفادة المقاتلين الأفغان من هذا الدعم، إلا أنهم لم يدركوا في البداية أن الهدف الحقيقي وراء التمويل كان إنهاك الاتحاد السوفيتي في إطار الحرب الباردة، وليس دعما خالصا لقضيتهم الدينية أو الوطنية. وبالمثل، خلال الحرب الباردة، دعمت الولايات المتحدة حركات المقاومة ضد الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، مثل المعارضة في بولندا. هذا الدعم جاء عبر منظمات حقوقية ودينية، بما في ذلك الكنيسة الكاثوليكية، بينما لم تكن المعارضة تدرك أن واشنطن هي المصدر الحقيقي لهذا الدعم. بهذه الطريقة، استطاعت القوى الغربية تحقيق أهدافها الاستراتيجية دون أن تُشعر الأطراف المدعومة بأنها تُستخدم كأدوات لتنفيذ أجنداتها. إبقاء الطرف المدعوم غافلا يضمن تحركاته بحسن نية، دون أن يدرك أنه جزء من أجندة أكبر تخدم مصالح خفية. هذا النهج يجعل الدعم الخفي واحدا من أكثر الأدوات الاستراتيجية تأثيرا وخطورة في السياسات الدولية، حيث يتم تحقيق الأهداف المرجوة تحت غطاء محكم من السرية والتمويه. كمؤشر صارخ على وجود دعم خفي، يجب إدراك حقيقة أن القوى الكبرى لا تلتزم الصمت تجاه صراعات في مناطق متوترة أو ساحات معارك ذات أهمية استراتيجية وجيوسياسية. من غير المنطقي أن تترك القوى الاستعمارية الساحة لغيرها أو تسمح لحركة نضالية، قد تتوقع منها عداءً مستقبليا، أن تنمو وتزدهر دون تدخل. بل إنها تعمل غالبا على إدارة هذه الحركات وتوجيهها بشكل غير مباشر لتحقيق مصالحها الخاصة. وإذا بدت الأمور كأنها تُترك دون تدخل، فقد يكون ذلك في إطار "تسمين الذبيحة"، حيث يتم إعداد الطرف المستهدف ليخدم غايات أكبر قبل التخلص منه في الوقت المناسب. وللتاريخ أمثلة عديدة على هذا النهج، لكنها ليست موضع التطرق هنا. الحسابات الخاطئة إن الخطأ في قراءة الواقع الدولي واتخاذ القرارات بناءً على حسابات خاطئة قد يكون له عواقب وخيمة، تؤدي إلى خسائر عظيمة على مستوى الأفراد والمجتمعات. ويعد تاريخ الشريف حسين مثالا بارزا لهذه الإشكالية، حيث تسببت ثقته بوعود القوى الاستعمارية وتجاهله للواقع السي��سي في تمزيق الأمة ودخولها في نفق الهيمنة الاستعمارية. وثق الشريف حسين بوعود بريطانيا الزائفة بدعم استقلال العرب، لكنه تجاهل النوايا الاستعمارية التي سرعان ما تجلت في اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور. هذا الخطأ الفادح كان بسبب ضعف في قراءة الواقع الجيوسياسي ومخاطر التخلي عن الوحدة الإسلامية تحت مظلة الخلافة العثمانية. وبدلا من السعي للإصلاح من الداخل، اختار التمرد في توقيت كارثي خلال الحرب العالمية الأولى، مما جعل ثورته أداة لتفكيك الأمة لصالح قوى استعمارية طامعة. إن الحسابات الخاطئة مشكلة إنسانية متكررة. وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى منها في كتابه الكريم، فقال: "فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" الأعراف: 103.وفي هذا السياق، يبرز القرآن أهمية النظر في عواقب الأمور والتحذير من الانجرار وراء وعود زائفة أو قرارات غير مدروسة. ومن أعظم الآيات التي توضح أساس التغيير الذي يمنع تكرار الحسابات الخاطئة، قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" الرعد: 11. هذه الآية تربط بشكل مباشر بين تغيير الظروف وتصحيح القرارات. الحسابات الخاطئة ليست نتيجة عوامل خارجية فقط، بل غالبًا ما تعكس خللا داخليا في التفكير أو النوايا. التغيير الحقيقي يبدأ بإعادة تقييم الإنسان لنواياه وأهدافه، والإقرار بالأخطاء والعمل على إصلاحها. الله سبحانه يبين لنا أن إصلاح الواقع يتطلب تغييرات داخلية في القيم، والمبادئ، والقرارات. من السيرة، نجد مثالًا واضحا في غزوة أحد، حيث أدى الخطأ في تقدير الوضع العسكري إلى انقلاب مسار المعركة. يقول النبي (ص): "لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين"، في إشارة إلى ضرورة التعلم من الأخطاء لتجنب تكرارها. في واقعنا المعاصر، تتكرر الأخطاء بسبب سوء التقدير أو الطمع أو التسرع. الحل يكمن في الالتزام بمنهج الله الذي يأمر بالتفكر قبل اتخاذ أي خطوة، كما قال تعالى: "قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" آل عمران: 137. الخاتمة تجربة الشريف حسين تقدم درسًا خالدا عن خطورة الاعتماد على قوى استعمارية لتحقيق أهداف مرحلية، سواء كان المدعوم مدركا لهذا الدعم أو غافلا عنه، وسواء كانت نواياه حسنة أو سيئة. فالتاريخ يؤكد أن مثل هذه السياقات غالبا ما تكون وسيلة لتحقيق مصالح القوى الكبرى، بينما يتحمل المدعوم وشعبه تبعاتها الباهظة. أحداث العراق عقب الغزو الأمريكي عام 2003 تقدم مثالا واضحا على ذلك. عندما استعانت المعارضة العراقية بقوى خارجية، ظنا منها أن تدخل الولايات المتحدة سيضمن سقوط النظام وبناء نظام ديمقراطي جديد، غفلت هذه المعارضة، سواء بحسن نية أو سوء تقدير، عن الأطماع الأمريكية والإستراتيجية التي كانت تهدف إلى السيطرة على مقدرات العراق وتمزيق وحدته. الغزو، الذي تم تبريره بشعارات مثل الحرية وإزالة الاستبداد، انتهى بإغراق العراق في دوامة من الفوضى، حيث دُمرت مؤسسات الدولة، وتصاعدت النزاعات الطائفية والعرقية، وظهرت قوى متطرفة استغلت الفراغ الأمني. هذا الواقع لم يكن فقط نتيجة أخطاء القوى الاستعمارية، بل أيضا نتيجة فشل الأطراف المحلية في تفضيل الإصلاح الداخلي والحفاظ على وحدة الصف. فقد كان بالإمكان معالجة الأزمات العراقية داخليا بحوار سياسي وتنازلات متبادلة، بدلا من استدعاء قوة خارجية جعلت العراق ساحة للصراعات الإقليمية والدولية. ولأن الجراح في عالمنا العربي ما زالت حية، أكتب هذه الكلمات بحزن عميق لما نشاهده في سوريا الحبيبة. شعبٌ مخلص في حبه لوطنه وأمته، لكنه يعاني من تداعيات صراعات معقدة، حيث اختلطت الطموحات بالآلام، والنوايا الحسنة بالأخطاء التي دفعت بأطراف متعددة إلى استغلال هذا الواقع المرير.أنتم يا أهل سوريا، في قلوبنا دائمًا، وأملي أن تكون وحدتكم وإخلاصكم ركيزة للخروج من هذه المحنة، بعيدا عن أي تبعية خارجية قد تُثقل كاهل أمتكم بمزيد من المعاناة. قصة الشريف حسين ودرس العراق، وغيرهما من الأمثلة التاريخية، تؤكد أن الإصلاح الداخلي ووحدة الصف هما الخيار الأجدى لمواجهة التحديات. فاللجوء إلى القوى الخارجية، بغض النظر عن النوايا، يؤدي دائما إلى تعميق الانقسام وإضعاف الأمة. المستقبل القوي والمتماسك لا يُبنى إلا على أساس من الوحدة والاستقلال، مع الالتزام بمنهج الإصلاح الذاتي الذي يحافظ على سيادة الأمة. هذه الدروس القاسية يجب أن تكون نبراسا للأجيال القادمة لتجنب تكرار الأخطاء التي أرهقت الأمة على مر العصور. #سوريا #نكبة_أمة #الإصلاح_الداخلي #سايكس_بيكو #وعد_بلفور #حماة #أدلب #البحرين
0
2
14
@Altajdeed_bh كل عام وأنتم بخير، حفظ ��لله البحرين وأدام عزها ورخاءها، ونسأل الله لشعب البحرين دوام السعادة والهناء. 💐
0
0
0
شكرًا لتعليقك القيم. أوافقك أن الوحدة قد تتحول إلى عبء إذا لم تُبنَ على أسس عادلة ومستدامة تحترم التنوع وتحقق المصالح المشتركة. هناك بالفعل تجارب أظهرت خطورة الوحدة عندما تصبح أداة للإقصاء أو السيطرة بدلا من وسيلة لتحقيق الاستقرار والتنمية. ومع ذلك، تبقى الوحدة القائمة على التفاهم والشراكة الحقيقية هدفا ساميا يستحق السعي إليه بحكمة وتخطيط مدروس.
0
0
1
@NaDew33 شكراً لتعليقك، لكن الإنصاف يقتضي النظر إلى الأحداث ضمن سياقها التاريخي الكامل، وترك النوايا لعلم الله وحده، سواء كانت خيانة أم خطأ في التقدير، فهذا لن يحسمه إلا حساب يوم القيامة. محاكمة النوايا لم تكن هدف المقال بل أخذ العبرة من التاريخ لتحصين الحاضر والمستقبل
0
0
2
@AliGamal63086 أحسنت القول، لكن بلوغ ذلك يستلزم إرادة صادقة ورؤية تتجاوز المصالح الضيقة. دروس التاريخ قاسية، فهل نعيها قبل فوات الأوان؟
0
0
0
@flmmdhny1 هي خارطة رسمها أعداء الأمة، ولست أنا من رسمها، وإنما وضعتها كشاهد لتحذير مما هو قادم، وهي متداولة على شبكة الإنترنت. أدعوك أخي الكريم لقراءة المقال كاملاً، ثم مشاركتي برأيك القيّم.
1
1
14
@mhmdzyd11170926 نعم، عزيزي. من خطط لها ورسمها لا يعترف أصلا بفلسطين. إنها خارطة رسمها أعداء الأمة، لا أبناؤها. وإنما وضعت كشاهد.
0
0
3