مسودة الدستور اليمني الجديد : انتهاك للقانون الدولي وسلب للهوية الحضرمية. يعد مبدأ الحكم الذاتي داخل النظام الاتحادي من المبادئ المعترف بها دوليًا، شريطة ألا يتعارض مع القوانين الدولية التي تحمي حقوق الأفراد والشعوب، بما في ذلك الحق في الهوية والتمثيل العادل. ومع ذلك، فإن مسودة الدستور اليمني المقترحة، التي تفرض على المواطنين هوية وطنية دون الإشارة إلى إقليمهم، تمثل تعديًا صارخًا على هذا المبدأ، وتؤدي إلى طمس الهوية الحضرمية تحديدًا، وهو ما يشكل خرقًا للقانون الدولي والمبادئ الأساسية للاتحاديات الديمقراطية. الهوية الإقليمية بين القانون الدولي ومبادئ الاتحاد الفيدرالي ينص القانون الدولي، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، على حق الأفراد والجماعات في الحفاظ على هويتهم الثقافية والإثنية والإقليمية. كما يؤكد إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية على أن من حق الشعوب تحديد هويتهم والانتماء إلى مجتمعهم دون إكراه أو تمييز.في الأنظمة الفيدرالية الناجحة، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وكندا، يتمتع المواطنون بهوية مزدوجة: هوية وطنية وأخرى إقليمية أو محلية تعكس انتماءهم الحقيقي دون المساس بوحدتهم الوطنية. على سبيل المثال، يحمل المواطنون الأمريكيون والكانديون بطاقات هوية تُظهر ولاياتهم أو مقاطعاتهم، مما يعزز اللامركزية دون الإضرار بالنسيج الوطني. لكن مسودة الدستور اليمني تسعى إلى فرض هوية وطنية واحدة دون الإشارة إلى الإقليم الذي ينتمي إليه المواطن، وهو ما يخلق مشكلات دستورية وقانونية خطيرة، خاصة في حضرموت، التي تمتلك تاريخًا سياسيًا وإداريًا مميزًا عن باقي الأقاليم. التعدي على الهوية الحضرمية والتغيير الديموغرافي القسري تمثل حضرموت أحد الأقاليم الغنية بالموارد الاقتصادية، والتي لها خصوصية ثقافية وتاريخية تمتد لقرون. ومن خلال فرض هوية وطنية مجردة على المواطنين، يتم تهميش هذه الخصوصية، وإلغاء أي أثر للهوية الحضرمية في الوثائق الرسمية. لكن الأخطر من ذلك هو أن هذه السياسة قد تؤدي إلى تغيير ديموغرافي قسري، إذ أنها تفتح الباب أمام نقل السكان بين الأقاليم دون أي اعتبار للتركيبة السكانية الأصلية، ما قد يهدد التوازن الاجتماعي والاقتصادي في حضرموت. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي عدم الإشارة إلى هوية الإقليم في الوثائق الرسمية إلى تسهيل توطين سكان من أقاليم أخرى في حضرموت بطرق غير منظمة، ما يؤثر على البنية السكانية ويهدد الاستقرار المحلي. التناقض مع مبادئ الحكم الذاتي الفيدرالي الحكم الذاتي الفيدرالي يقوم على مبدأ أن لكل إقليم استقلالًا إداريًا وقانونيًا يضمن له الحفاظ على هويته المحلية، وهو ما يتناقض تمامًا مع التوجه الحالي لمسودة الدستور. فمنح الأقاليم إدارة ذاتية مع منعها من ترسيخ هويتها يمثل شكلًا من أشكال الفيدرالية الشكلية، التي تعطي الصلاحيات في الظاهر لكنها تفرغها من مضمونها. إذا كان اليمن يتجه نحو نظام اتحادي حقيقي، فيجب أن يتم منح الأقاليم حق إصدار وثائق رسمية تعكس هويتها ضمن إطار الاتحاد، كما هو الحال في جميع الدول الفيدرالية. أي محاولة لطمس هذا الحق تعني أن الحكم الذاتي مجرد اسم بلا مضمون، وهو ما قد يؤدي إلى أزمات مستقبلية تعمّق الانقسامات بدلًا من تحقيق الاستقرار. الطريق إلى الحل: الاعتراف بالهوية الإقليمية ضمن الوحدة الوطنية إن فرض الهوية الوطنية دون الإشارة إلى الإقليم لا يعزز الوحدة، بل يؤدي إلى احتقان اجتماعي وسياسي قد ينتهي بتصاعد النزعات الانفصالية. والحل الأمثل يكمن في الاعتراف بالهويات الإقليمية ضمن إطار الاتحاد الفيدرالي، بحيث تكون لكل إقليم بطاقاته وهويته الإدارية الخاصة، على أن تظل الوثائق الوطنية الجامعة موجودة للمعاملات التي تتطلبها الدولة ككل. اليمن بحاجة إلى نظام فيدرالي حقيقي يحترم التنوع الثقافي والجغرافي، وليس إلى مركزية مقنعة تتخفى تحت شعار الفيدرالية. فبدون احترام حقوق الأقاليم في تحديد هويتها، لن يكون هناك استقرار، وستظل الأزمة قائمة بين طموحات الأقاليم والواقع المفروض عليها. بقلم الدكتورة / صباح الكثيري 3/2/2025