![المُهَندِسْ Profile](https://pbs.twimg.com/profile_images/1862932267632340992/lJGEY7Ym_x96.jpg)
المُهَندِسْ
@El_Muhandes
Followers
732
Following
17K
Statuses
613
مُهندس في النّهار ~ عامِل بناءْ لِسَد الفَراغ الفكريّ في اللّيْل | ٣١ سَنة مِن الوجودْ | الفراغ المَعنَوي لَم يَبْدأ والفراغْ العاطِفي مسدود.
جبل عامل، لبنان
Joined October 2024
لبنان سويسرا الشرق، مصطلح سمعته منذ نعومة أظافِري، لطالما رأيته على الأخبار، و في صُوَر وسط بيروت والترام وصخرة الروشة.. أستعمِلُهُ عند الحديث عن بلادي كما كنت أستعملهُ في مواضيع الإنشاء في المدرسة.. أفكّر فيه عند سماع أغاني فيروز و مسرحياتها، ولطالما تمنيت أن يعود على قاعدة :"لبنان رح يرجع ".. ومنذ فترة يتراشقه الأفرقاء اللبنانيون، كُل يلوم الآخر في فقدانه، ويتباكى من حولهم عليه.. وقد أحزنني ذلك، مما جعلني أفكر جديا؛ لما هذا الحزن وهل رأيتُ أو عشتُ يوما في هذه السويسرا؟ حسناً، لنرى؛ ولدت في بلدة جنوبية بعيدة عن الحدود، ولدتُ كما أبي بعيداً عن بلدتي الأصليّة الّتي تقع على الحدود اللّبنانية لأنها محتلة.. عمتي الثمانينية ، وهي الناجي الوحيد الحيّ من عائلتي، تروي لنا قصصاً عن أول شبابها، تعود إلى سنة ١٩٤٨، عندما دخل الإحتلال الى قريتنا - وهي قرية صغيرة أهلها فلاحين لا يعرفون أحزاب ولا سياسة ولا حتى حدود بلاد - فقتل من قتل منهم ودمر ما دمر، فهربت هي ومن نجي من عائلتنا إلى حيث نقطن الآن.. وُلِدَ والدي، كَبُرْ ، تزوّج. وأنجب أربع أولاد، ومن ثم جئتُ أنا، خامس بيته وآخر العنقود. ولدت تحت الإحتلال.. صغيرٌ أنا أذكر صوت الطائرات، وصوت القنابل. أذكر نار الشياطين في حقول التبغ، وصورة أشلاء قانا. أذكر الخوف في عين أمي كلّما قُلتُ لها أني خارج لألعب، وكلما قال لها أحد إخوتي أن لديه دراسة أو عمل في عمق الجنوب. أذكر الأسى في عيني والدي كلما تكلّم عن أرضنا التي لم يزرها قط. وأذكر حكايات وقصص لا تنتهي فيها كل نوع من أنواع الوجع في هذه الدنيا. كنا نظن أن ذاك واقعن�� الأبدي، ۱۸ عاماً من الأحتلال كافية لكي ترى الدنيا بعين المحتل فقط. ۱٨ عاماً قضاها الجنوب وأهله بين مطرقة المحتل ومزاد التخاذل من القريب والبعيد. ١٨ عاماً لم نرى فيها لا دولة ولا سيادة إلا في كتب التربية والتاريخ. ۱٨ عاماً نرى فيها حُريّة التعبير خوفٌ في دفاترنا المغلقة فقط، فنحن لم نملك حتى حرية التنقل إلى القرية المجاورة.. باختصار، كنا كلنا نرى كل شيئ بعيد، كلنا ما عدا حفنة من شبابنا إجتمعوا تحت شجَرِ الزيتون و رأوه قريباً.. إجتمعوا وآمنوا أن بإستطاعتهم تغيير المحال، بأن الحق لن يضيع إذا طلبوه بقبضاتهم. وللأمانة لم نفهم كل شيئ كانوا يتكلمون عنه.. فكيف يمكن للجيش الذي لا يُقهر، الذي هزم الجيوش العربية مشتركة، أن يُقال عنهُ أوهن من بيت العنكبوت؟ أو نصدّق أنهم سيهزموه هو وعُدته وعديده وهم زالوا تحت الزيتون؛ كيف هذا، كنا نسأل.. فجاء جوابهم يوم بعد يوم.. بدأت ببضع كلمات بأْسٍ ثأراً لصرخات الثّكالى واليتامى، لتصل الى ضربات قاسمة على رأس أشرار الأرض أضحى ثمنها أكبر من أن يتحمّلها من وطأ أرضاً ليست أرضه. فهذا ثمن يدفعه اهل الأرض فقط.. وقد دفعوه. الى أن أتت المعجزة. سنة ال ٢٠٠٠، خبر لا يصدق، فرعون يهرب من طوفان أهل الأرض ذليلاً خاضعاً.. لم نفهم شيئ الى أن قال أبي إصعدوا الى السيارة نحن ذاهبون للجنوب، ولكن هذه المرة كانت مختلفة، هذه المرة كان يقصد لنذهب الى حدِّ كُل قرية في الجنوب، وليس لحدود رسمها لنا العدو. لنذهب للجنوب بأكمل الجنوب فالجنوب محرّر.. و منذ ذلك اليوم، لم تعد أمي تخاف اذا لعبت خارجاً، و أصبح أخواتي يتنقلون في أمان قراهم.. منذ ذاك اليوم تغيّرت عيون أبي، أصبحت تُغنّي كلما ذكر أحد قريتنا والحدود. تغنّي كما غنت قرى الجنوب بنعمة تحريرها. وبدا أهل الجنوب إعمار قراهم و تحولت حرائق التبغ الى حقول مزهرة ، والبنى المدمرة الى أبنية مزدهرة، وأصوات الطائرات الى أهازيج ترددها عصافير الجنوب مع أهله، على شاطئ صور وفي أسواق النبطية... وتلك أيام نداولها بين الناس؛ قصتي قصة أهل الجنوب، نعرفها جميعاً وهي مقدمتنا والخلاصة لكل مواقفنا.. وقد لا يفهم هذه اللغة من لم يتعلم لغة أرض الجنوب و هذه الترجمة له.. نعم، لم نصبح سويسرا الشرق ولكننا بنينا قرانا الواحدة تلو الأخرى وبنينا مدننا وأعطيناها كل ما نملك فأعطتنا. لم نُصبح سويسرا الشرق، فكيد العدو كان ولم يزل، يمكُرُ ويخطط لكي يُغرق الحياة فينا بأي طريقة. ولكننا رغم أنفه نتنفّس، ولم نعد نخاف تهديده فمن لديه سفينة لا يهاب البحر الهائج. لم نصبح سويسرا الشرق ولم نعد نريدها سويسرا إذا كانت لا تأتي سوى برأس منحني وبرضى طواغيت العالم. إن جنوبنا، كما هو، أجمل من كل سويسرا، و هو سفير بلاد جنوب الأرض و درسها في محاربة الشر وحبّ الحياة. وفلتحترق سويسرا الشرق الذليلة، ويبقى الجنوب العزيز الجبار..
7
6
45